الاثنين، 31 أكتوبر 2011

إستعدوا لتنازلات مؤلمة


المتابع للأحداث البحرينية سيرى أن تغييرا جذريا في التعاطي مع الأزمة قد بدأ يتبلور لمحاولة الخروج من أزمتنا الراهنة. و الشواهد متلاحقة و بعض ما أراه يتلخص في الآتي :

1)   إلغاء إعترافات الكادر الطبي منذ عدة أيام كان مقدمة لإسقاط التهم الكبيرة الموجهة لهم اليوم.

2)  إطلاق سراح المئات من المعتقلين.

3)  إيقاف بعض الأصوات على شبكات التواصل الإجتماعي و تحييد البعض الأخر.

4)  إعادة المفصولين إلى أعمالهم.

5)   إشاعات بتخفيف حدة بعض البرامج التلفزيونية مثل برنامج سعيد الحمد و سوسن الشاعر.

6)  تخفيف اللهجة الإعلامية في الصحافة.

للأسف هذه "التنازلات " إن صح التعبير أو "بوادر حسن النية" – أقل وقعا على النفس – لم تقابل بالمثل من طرف الوفاق و تابعيها, بل رأينا إرتفاعا في وتيرة الأعمال التخريبية و الإرهابية من طرفهم . هذا الأمر خلق في نفوس الوطنيين إحتقانا و غضبا من التهاون الحكومي في حقوقهم و حقوق البلد. السلطة التنفيذية لا تفعل ذلك بدون أسباب وإن لم تكن واضحة لنا في الوقت الراهن. تكلمت سابقا عن غياب الشفافية الحكومية وتحجيم المشاركة السنية في صنع القرار المتعلق بمصير البلد, و هذا يفتح الباب على مصراعية للأقاويل و الإشاعات لتحل مكان الحقائق و الوقائع. و هذا ليس بالشيء الصحي و بتوجب على السلطة التنفيذية أن تتقدم إلى الشعب برؤيا واضحة و حلول عملية.

الحكومة تدرك أن زمن (هذا القرار في عينك يا مواطن ) قد ولى و خاصة بعد إصلاحات عام 2000 السياسية, وهذا القول ينطبق على غالبية الدول العربية هذه الأيام. ولذلك اللعب في ظلام سياسي سيخلق إشكالات للحكومة في هذا الوقت بالذات. لايخفى على أحد أن البلد منقسمة على نفسها إنقساما طائفيا مقيتا, و لنكن غاية في الصراحة, فالشارع السني وقف مع الحكومة وقفة جبارة. و تنازلات الحكومة هذه قد تضر بالعلاقة بين الشارع السني و الحكومة. وهذا أكثر ما تتمناه المعارضة المتمثلة بالتيار الإثنى عشري الشيعي و مرجعياتها. و هذا الأمر لا يجب أن يكون.

"بوادر حسن النية" لن تفيد الحكومة في شيء داخليا, فلا السنة راضين و لا الشيعة شاكرين, هي للإستهلاك الخارجي فقط. وحتى الخارج لم يقتنع بها كحل كاف للخروج من الأزمة. رأينا البرلمان الأوروبي في يوم 27-10-2011 يصدر بيانا شديد اللهجة يشجب فيه "الأعمال القمعية" للحكومة البحرينية و كأننا في بلد نازي. فلماذا إذن هذا التساهل الحكومي مع الوفاق و المخربين؟ و إلى أي مدى مستعدة الحكومة للتنازل؟

الظاهر للعيان أن هناك تحركات خلف الستار بين الحكومة و الوفاق, و إذا سلمنا جدلا بهذا الطرح فمعناه أن الحكومة قد إستثنت المكون السني من المعادلة. و الأمر الأخر أن الوفاق ليست مسيطرة على الشارع الشيعي, فقوى أخرى شيعية تتحكم في شريحة واسعة منهم. و عليه فإن أي إتفاق حكومي – وفاقي محتاج لأن يتم تسويقه إلى شارعين متأججين لا يقبلان التسويات, و هذا ليس بالأمر الهين. رأينا منذ أيام قليلة أحد شيوخ الشيعة المقيم في لبنان يدعو إلى الجهاد, و رأينا شرارة مواجهات أهلية في المحرق و البديع. هذه الأمور تدل على أن الأمر قد يخرج – إن لم يكن قد خرج فعلا- عن دائرة سيطرة الحكومة و الوفاق على أتباعهما.

الحكومة تحاول جاهدة إحتواء الأوضاع قبل أن تتفاقم, و ليس لديها الكثير من الوقت. إن لم يحدث إنفراجا أمنيا و في فترة بين أسبوعين إلى أربعة أسابيع سنرى و العياذ بالله تدهورا أمنيا. و الوفاق بدورها ستفقد السيطرة على ما تبقى لها من أتباع بعد سلسلة خسائر سياسية داخلية و خارجية, و تهدديهم باللجوء إلى الشارع سينعكس عليهم وبالا. فإذن لابد من الحوار و التضحيات, و لكن إلى أي مدى؟

المجهول بالنسبة لنا هي كيفية الحوار الجاري – إن كان فعلا هناك حوارا , هل هو مباشر, أم هل هناك وسطاء و من هم؟ و إذا كنا نتكلم عن تضحيات فما هي؟ بالنسبة للحكومة وبلا أدنى شك سيكون هناك تضحيات و قد لمسنا تضحيات أوجعت الشارع السني و نحن لازلنا في بداية طريق التنازلات. و القادم سيكون أكبر ألما و تذكروا كلامي هذا. الإفراج عن جميع المعتقلين أمرا أصبح واردا و خاصة الذين ليست أياديهم ملطخة بالدماء على الأقل مباشرة, ومنهم إبراهيم شريف و مشيمع ! أما الأخرين فسيتم تخفيف الأحكام عنهم كمقدمة لعفو خاص. الحكومة مستعدة للتضحية بكافة الوزراء و إعادة تشكيل وزارة جديدة, و مستعدة كذلك للتضحية بالبرلمان و إجراء إنتخابات جديدة تكون كتلة الوفاق ممثلة فيه. و كل هذا لن يطفىء ظمأ الوفاق المتعطشة للسيطرة على الحكومة ومراكز القرار. وهنا يبرز السؤال – أين هو كبش الفداء الذي قد يقنع الوفاق بالقبول ؟ ما هو الثمن الباهظ الذي يتوجب على الحكومة دفعه ليرضى عيسى قاسم؟

من جانبها, فمطالب الوفاق واضحة , حكومة منتخبة , إعادة توزيع الدوائر, ملكية دستورية إلخ. في زيارتهم إلى القاهرة و مركز الأهرام للدراسات الإستيراتيجية بالتحديد قالوا للوفاق يجب أن تدركوا أن المنظومة الأقليمية لن تسمح بقيام نظام شيعي في البحرين, وحكومة القاهرة لن توافق على هذا الأمر و خاصة بعد أن رأينا المصائب في العراق. ونفس هذا الكلام قاله فيصل القاسم في برنامجه "الإتجاه المعاكس" لخليل مرزوق. و إعتقد إن الوفاق على قدر من الوعي يدرك هذا, و في قرارة أنفسهم هم متقبلين الوضع . هم – أي الوفاق – كانوا مدركين للبعد الإقليمي و الإستيرايجي قبل الدخول في أحداث فبراير و لهذا كان مخططهم قائما على إحداث التغيير من إخلال إنقلاب على النظام وليس الحوار السياسي.

فماذا عسى أن يكون في جعبة الوفاق لتتنازل عنه؟ بالنسبة لنا كسنة فالوفاق خالية الشرعية و لن تمن علينا يإي تنازل كونها لا تملك الحق في مطالبها أصلا. بالنسبة للشيعة فإن أي تنازل عن أي من مطالبها سيعتبر خيانة عظمى و عودة إلى الماضي. و كل ما تستطيع الوفاق تقديمة هو كلمتين من عيسى قاسم لإتباعه بوقف العنف. هذا فقط.

التظاهرات و الإحتججات و الإعتصامات و الإحتلالات كانت كلها على مرأى و مسمع الشعب كله, فمن باب أولى لو أن هناك حوارات تجري لأن تتم على مرأى و مسمع هذا الشعب المكلوب على أمره. نحن أهل السنة نعتب على الحكومة و ننتقدها و بشدة ربما و لكن أن ننقلب عليها أو أن نتصادم معها فهذا ليس في الحسبان , فلا تفرحوا كثيرا.



DR. KNOW


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق