السبت، 8 أكتوبر 2011

الثورات العربية و محاسبة الذات


من منا لم يفرح بسقوط أنظمة بن علي و مبارك و القذافي؟ من منا لن يرقص إبتهاجا بسقوط نظام الأسد – عجله الله – ومن منا لن يحتفل بسقوط الصالح؟  الغالبية العظمى من المحيط إلى الخليج فرحت و إستبشرت بسقوط هذه الأنظمة و إنتهاء حقبة سوداء في تاريخنا العربي من الحكم المستبد .

جميع هذه الثورات و غبرها في العالم العربي إشتركت في مطلب واحد ألا وهو إسفاط النظام. فالمفترض إنه و بمجرد سقوط  النظام فتعتبر هذه الثورة قد نجحت في الوصول إلى هدفها. ولكن ما يتناساه البعض إن سقوط النظام هو أول المطاف وليس أخره, و من هنا و ما يحصل بعد سقوط النظام هو المعيار الحقيقي للنجاح من عدمه.

ثورات زمان و ثورات اليوم:

كانت الثورات في العالم العربي هي عبارة عن إنقلابات عسكرية , تتغير فيها الأنظمة أحيانا أسرع مما كان المواطن "الغلبان" يغير قميصه. ومنها كانت الثورات في العراق و مصر وسوريا و السودان و ليبيا و تونس ولا ننسى اليمن. وحتى دول الخليج العربي لم تكن بمنأى عن الثورات كما في قطر و عمان. النقطة المهمة هنا إن هذه الثوارات كانت سريعة و غالبا ما تنتهي في ساعات قليلة يصحبها منعا للتجوال ليوم أو إثنين. و لكن ثورات هذه الأيام فلا , يمضي الأسبوع خلف الشهر و لا شيء في الأفق يبين نهايتها.

و كمقارنة سريعة – فثورات أيام زمان كانت أعداد الضحايا فيها قليلة و محصورة بين العسكريين أنفسهم و أحيانا تكون الثورة "بيضاء",  أما هذه الأيام فالضحايا هم من المدنيين في الغالب. كما أن الإقتصاد  كان يتعافى في فترات قصيرة على العكس مما نراه اليوم.  ثورات الشعوب هذه الأيام هي ثورات ناقصة , فلا يكفيها أن تكون الحرية السياسية هي المطلب ولا ينبغي أن يكون سقوط النظام هو معيار النجاح أو الفشل.

أسباب الخلل في ثورات الربيع العربي:


1) إفتقارها إلى قيادة منظمة و قادرة على قيادة دولة  - لا يوجد في أي من هذه الثورات أفراد أو حتى مجلس قيادة ثورة منظم و معترف به من الشعب. ما بدأ به الشباب يختطف من قبل مجموعات تتناحر فيما بينها على أحقيتها في قيادة الثورة. و هنا أصبحت القنوات الفضائية الموكلة بإعطاء الشرعية لهذه الوجوه عبر إستضافتها ليلا و نهارا ليألفها العالم و يعتاد عليها. و طبعا القنوات الفضائية كريمة جدا الألقاب و المسميات وكذلك بالتزكيات. و كما رأينا في ثورتي مصر و تونس فقد تم إعادة تدوير وجوه من النظام البائد بعد أن من الله عليها بالهداية . ولو أن بعضهم كان له مواقف مشرفة خلال حكم النظام السابق إلا إنهم لم يتورعوا عن المشاركة في الحكم أنذاك .كيف تكون الحرية و نفس الأشخاص الذين حكموا من قبل هم نفسهم من يحكم الآن مع تغيير الأقنعة؟

2) تدخلات قوى دولية و إقليمية – ليس فقط التدخلات الأجنبية خلال الثورة و بعدها بل وحتى الترتيب لإنطلاقها. لا يخفى علينا دور أجهزة الإستخبارات الغربية و مساندتها من خلال مراكز التدريب و ما يسمى بمراكز نشر الديموقراطية مثل مركز مارتن اندك للتدريب و معهد راند و المعهد الوطني للديموقراطية و كلها ادوات تستخدمها الاستخبارات الأمريكية في توجيه تيار الثورات نحو مصالحها او على الاقل بعيدا عن مواطن الضرر لها . و لربما لولاها لما إنطلقت و لولاها لما إستمرت. فعلى الرغم من أمنياتنا أن تكون هذه الثورات عربية خالصة إلا إنها ليست كذلك. و لم يقتصر الأمر على تدخلات الدول الكبرى و لكن رأينا دولا مثل إيران تحاول زج أنفها في هذه الثورة أو تلك. و حتى قطر العظمى قامت بضخ ملايين الدولارات في الثورة المصرية و لاتزال على حسب الصحف المصرية. أما في الثورة الليبية فقد تعداه إلى أكثر من ذلك بكثير و الأمر موصولا لثورة سوريا. كيف لشعب أن يكون حرا وقد باع نفسه للشيطان؟

3) الإرتباط بجماعات دينية – جماعة الأخوان المسلمون هم من أكثر الجماعات السياسة إنضباطا و تنظيما, فليس غريبا إذن يتولوا الوصاية على الثورة . رأينا هذا يحصل في كل البلدان. قالت كلينتون إنها بلادها مستعدة للتعامل مع حكم إسلامي في مصر, و في ليبيا يسيطر الإسلاميون على الثورة و في تونس يعدون العدة لدخول الإنتخابات و هكذا. أي جماعة إسلامية أي كانت لا تملك مفاتيح الجنة على الأرض و لن تستطيع أن تعدل من الأوضاع السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية. الجماعات الدينية إن وصلت إلى الحكم   فإن أول ما ستفعله هو مصادرة بعض الحريات الشخصية و المدنية حتى لا نقول كلها. و نكون قد إستبدلنا نظاما ديكتاتوريا بنظام أخر و بدلنا التسميات فقط و الوجوه.    و عليه فإن وصول الجماعات الدينية في حد ذاته ليس الخطر لكن وصولها بدون ان تعرف كيف تدير الامور و تحافظ على وحدة الشعوب هو عين الخطر.

4) إنعدام الأمن و الأمان – و هنا نقصد خلال و بعد الثورة. ففي مصر مثلا لا ترى السيدات في الشوارع بعد المغرب ولايأمن الرجل على ماله و عرضه. حالة الفوضى العارمة خلال الثورة لا تزال مستمرة بعدها و إن خفت حدتها. ما جدوى الحرية إن إنعدم الأمن والأمان ؟ و عن أية حرية نتكلم؟    وهذه نتيجة حتمية لغياب النظام البوليسي القائم على القهر و التعسف و إطلاق الحريات دفعة واحدة و بدون تدريج يؤدي لاستغلال فئة من ضعاف النفوس للثغرات الأمنية لتحقيق مكاسب سريعة و النتيجة انعدام الأمن و الامان.

5) تضرر البنية التحتية و الممتلكات – و طبعا الممتلكات العامة و الخاصة و طبعا نتكلم عن الضرر للشوارع و الميادين و البيوت و غيرها الكثير . ليبيا على سبيل المثال تحتاج إلى إعادة بناء شبه كاملة. الضرر في مصر كان أقل وطأة و كذلك الحال في تونس. أما في اليمن و سوريا , فالله المستعان هل الحرية أن نكون أحرارا و لكن بدون مأوى؟

6) تدمير الإقتصاد – الغريب أن هذه الثورات لا تنظر إلى تأثر الإقتصاد سلبيا من هذه الثورة فهذا لا يهمهم بقدر تحقيق الهدف الرئيس ألا وهو إسقاط النظام. و هنا نقول إن الأنظمة أيضا ليست معنية بالضرر الذي سيلحلق بإقتصادها طالما إنها حافظت على نظامها أو إنها تحاول ذلك . هل ثمن الحرية تدمير الإقتصاد؟ ثم نقول إننا أحرارا و لكن لا نملك قوت يومنا !! هل هذه حرية؟

7) الإنتقام من أجل الإنتقام – كما رأينا في مصر, فمشهد مبارك ممدد على سريره في زنزانة لا بد و أن يسبب لك التلبك المعوي ما يسبب. لا نقول إنه لم ينهب و يدمر و يسجن و يقتل و لكن هناك طرق لمعالجة هذه الأمور قبل أن تصبح سخرية على القنوات الفضائية. المصريون الذين تحدثت معهم يقولون إن هذا لم يشعرهم بالحرية و إنما بالإنتقام . أليست الحرية أن نتحرر حتى من الغضب و الإنتقام؟

8) شهداء الثورة – هؤلاء هم الوحيدون الذين ربما تحرروا, إن تقبلوا شهداء عند ربهم – ونسأل الله ذلك. أما أهليهم و ذويهم و من يعيلون فلن يشعروا أبدا بالحرية بل سيعيشون في آسى و حزن على  فقدان عزيزهم, و ربما قال أحدهم لولده مواسيا و مباركا الشهادة – و للحرية الحمراء باب ...... وأي باب هذا؟

9)  رهن الدولة و مواردها للدول التي ساعدتهم – كما حدث في العراق  سمعنا ولا تزال الأخبار تظهر كيف تستنزف أمريكا مواردها النفطية مقابل الحرية التي زعموها, فلتستبشر ليبيا بذات المصير. هل هذا هو ثمن الحرية؟ ترهن أجيالك القادمة و تقول حرية!!

10)       إنقسام المجتمع بين مؤيد ومعارض – رأينا هذا جليا في مصر و رأينا بعض فئات المجتمع تناصر نظام مبارك فتصبح منبوذة إلى يومنا. أصبح الإنشقاق هو السمة الطاغية على المجتمع, بل أصبح الإنشقاق داخل العائلة الواحدة.  فأي حرية تأتي  على حساب إنقسام المجتمع ؟

نحن لسنا مع الأنظمة الفاسدة المتحللة أبدا و لا ينبغي لنا أن نكون, ولكن علينا أن نقيم هذه الثورات من منطلق ما حققته وما فشلت في تحقيقة و ما لن تستطيع تحقيقه.
إن كانت هذه الدول قد تحررت من جهنم الأنظمة الإستبدادية فالثورات لم تأتي بالجنة الموعودة بعد ولن تأتي بها. هكذا الأمور, و هذا ليس تحقيرا و لا تثبيطا من الثورات ولكن الجنة غير موجودة على الأرض و لا تستقبل الأحياء.

إصلاح الخلل الثوري:

إن لم يتم تعديل المسار الثوري فإن الأمور ستتفاقم و تجعل الناس الذين شاركوا في إسقاط هذه الأنظمة تترحم على تلك الأنظمة و على أيامها. الدولة قائمة على المؤسسات التي ترعى شؤون الوطن و المواطن, و إنهيار هذه المؤسسات هو إنهيار للوطن ومكتسباته و إستقراره. و على تلك الثورات أن ترجع إلى جذورها و أن تقاوم المغريات التي تقدمها لها دول ذات أطماع ومصالح.
للأسف الشديد, فالعالم العربي ليس مستعدا للديموقراطية و سيكون طريق الوصول إليها محفوفا بالأشواك و المخاطر. لن تفلح الديموقراطية المستوردة أكثر مما حققته من نجاح في العراق, ولا نريد لشعوبنا أن تغسل بدمائها أثار الديكتاتورية و لا أن تكون هذه الدماء قرابين تقدم لأجل الديموقراطية الموعودة.
  
و ختاما الديموقراطية ثقافة قبل ان تكون تطبيق اذا لم ترسخ هذه الثقافة في جذور المواطنين فإن تطبيق سياساتها هو ضرب من ضروب العبث.

DR. KNOW



































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق