ما يسمى بثورات الربيع العربي قامت من أجل
المطالبة بتغيير الأنظمة الحاكمة لتثبيت مبادىء الديموقراطية و العدل و المساوة و
التوزيع العادل للثروات . و كلها أهداف نبيلة و حقوق مشروعة لكل إنسان و مواطن.
المشكلة الرئيسية في بلدان العرب إنه لا يوجد تداول سلمي للسلطة في أي منها, معروف
إن ولاية أي حاكم عربي تنتهي بموته, ويود الكثير من الحكام العرب لو إنهم يأخذون
البلاد إلى القبر معهم. وهذا ما جعل هذه الشعوب تثور على حكامها – أو على أقل
تقدير – هي أحد الأسباب.
ونجحت الثورة أن تحدث تغييرا في تونس و مصر
ليبيا و تبقى الثورة اليمنية و السورية مسألة وقتية لإزالة النظاميين فيهما.
وعلينا أن نتسائل عن الثمن الذي دفعه الثوار من أجل الحرية و الثمن الذي لازال
يدفع حتى بعد سقوط النظام. و علينا أن نتسائل هل هذه البلاد في أحسن حال من سابق
العهد ؟؟
أقول إن الثمن باهظ مقارنة بما تحقق – هذا بإيجاز
شديد. لننظر أولا ماذا تحقق:
1) إزالة النظام
2) عفوا – لايوجد مكتسب
رقم 2 من جراء الثورات غير رقم 1 !
الثمن:
1) ألآلاف القتلى و
الجرحى و المشردين و المبعدين و اليتامى و الأرامل و الثكلى.
2) إنعدام الأمن و
الأمان خلال الثورة و بعدها: أصبحت النساء عرضة للتحرش و الإغتصاب في ظل إنعدام
الأمن أو إختلاله, وعدم وجود قوة وحزم لدى الأجهزة الأمنية في متابعة كل جريمة
صغيرة كانت أوكبيرة. هذا بالإضافة إلى أن الأجهزة الأمنية التي كانت تتعامل بإسلوب
قمعي في الأنظمة الزائلة و كان مجرد ذكرها يبعث الرعب في النفوس, هذه الأنظمة
تنتظر التغييرات في قوانين كيفية معاملتها مع الشعب. القانون شبه معطل في هذه
الدول وفي حالة شلل. أصبح لدى المجرمون اليد الطولى على القانون لقدرتهم على
المراوغة و إستغلال الفرص. زادت السرقات و جرائم القتل و الإغتصاب و التحايل
المالي و غيرها و القانون معطل.
3) في ظل غياب عمل
الأجهزة الأمنية, برزت جماعات غير مؤهلة تحاول المحافظة على الأمن – كما يسمى لجان
شعبية – و هذه المجموعات أعطت لنفسها الحق المطلق في توقيف أفراد و إستجوابهم و
حتى ضربهم إن لم يتعدى الأمرأكثر من ذلك. هم أشبه بالفتوات منهم إلى حفظ الأمن, و
في حال تثبيت همينة قانون الدولة هؤلاء سيعتبرون مجرمين و يحاكمون.
4) الإنقسام المجتمعي الذي لحق
بهذه الدول هو من أبرز (مضار) الثورات. و الإنقسام حصل على أسس طائفية أو مذهبية
أو سياسية . أصبح الكل يطالب بحقه المسلوب منذ عشرات السنين و كل يعتقد أن حزبه
السياسي على الصواب و الأخرين على خطأ. وقامت الأقليات الدينية و العرقية تطالب
بنصيبها من غنائم الثورة. و الطاسة ضايعة.
5) طفت على السطح جمعيات
و أحزاب سياسية قائمة على أساس ديني – كالإخوان مثلا. و هذه الجمعيات لها قبول في
الشارع و منظمة إلا إن أساليبها في الحكم متى تم لها هذا سيكون أشد قمعية من
الأنظمة التي أزالوها. و كأنك يا زيد ما غزيت.
6) من الإفرازات و
النتائج الوخيمة لهذه الثورات هي التدمير و الضرر الكبيرين الذي أصاب إقتصادات هذه
الدول ولو بدرجات متفاوتة. إقتصادات اليمن و سورية شبه مدمرة, في مصر و حسب
إحصائية أذاعتها قناة العربية يوم الجمعة 19-11-2011 فإن 43% من شعب مصر فقراء –
أي ما يزيد عن 40 مليونا. ضرب أحد أعمدة الإقتصاد المصري و التونسي كذلك ألا و هو
السياحة. وتأثرت الصادرات و خاصة الصناعية والزراعية منها.
7) إضرار كبير بالبنية
التحتية كما في اليمن و ليبيا و سورية. و تدمير منازل و منشاآت تجارية و صناعية
كثيرة. هذا سيجعل إقتصاد البلاد رهينة لسنوات طويلة في محاولات إعادة البناء عوضا
عن تحسين البنية التحتية.
8) عزوف مستثمرين عرب و
أجانب عن هذه البلدان لإنعدام الإستقرار السياسي و الأمني.
9) إنخفاض القيمة
السوقية لعملات هذه الدول مما يرفع من قيمة الواردات على المستهلك مما يترتب عليه
إرتفاع في معدلات التضخم والبطالة.
10)
إنخفاض في قيم العقارات و الأراضي و الإيجارات.
11)
ضعف عام يصيب الدولة سياسيا و عسكريا. و نشدد هنا على عسكريا – فالجيش
ليس على الجاهزية القتالية لمواجهة أي عدوان خارجي قد يحصل (ولو إنه ليس متوقعا في
الوقت الراهن) إلا أن إعادة بناء الجيوش يستلزم الكثير من المال و الوقت.
12)
الدول وخاصة الغربية تريد نصيبها من ثروات هذه الدول بعد المساعدات
التي قدمتها في إزاحة النظام. في ليبيا على سبيل المثال, تتزاحم دول الناتو لتقديم
المشورة و الدعم من أجل الحصول على صفقات بالمليارات من أجل إعادة بلد دمر بقسوة.
و كل من هذه الدول تريد نصيب الأسد من أموال النفط – و سيحصلون عليها.
13)
الثورات أتاحت لبعض الدول التدخل السافر و المباشر في شئون بلدان
الثورات العربية من الناحية السياسية ناهيك عن العسكرية. هنا نتكلم عن الدسائس
و القلاقل التي تثيرها بعض الدول في
الخفاء. هذه الدول تحاول إبقاء نيران الفتنة مشتعلة لمأرب لها على المدى القصير و
ربما البعيد. ومن هذه الدول - العزيزة إيران و دورها لايخفى على أحد في اليمن و
سورية و محاولاتها الدؤوبة في البحرين.
14)
عدم جاهزية أي من هذه الدول لإستقبال الديموقراطية و العمل
الديموقراطي خلق أجواء تسيطر عليها أفكار متباينة و راديكالية كبيرة. وأصبح الجميع
يعتقد إنه بإمكانه التكلم ونشر أفكاره بغض النظر إن كانت هذه الأفكار متناغمة مع
الدين أو الأعراف أو التقاليد أم لا.
15)
بقاء السلاح بين الشعب بعد إنتهاء المواجهات و سقوط النظام. سننتظر
سقوط العديد من الضحايا مستقبلا.
وهذه الأثمان إنما هي جزء مما دفع و سيدفع
جراء إحداث التغيير في الأنظمة. لا أعتقد أن كائن من كان سيختلف معي على أن الثمن
عال جدا. إنما السؤال هو – هل تستاهل كل هذه التضحيات ؟ هل وجد الثوريون ما كانوا
يحلمون به من حرية ؟ في إعتقادي – كلا ! التضحيات كانت أكبر بكثير مما وجدوه, وبدأنا نرى
من يترحم على أيام الأنظمة التي شاركوا في خلعها. ربما ما نهبه حكام تلك الدول كانت
آتاوة دفعتها الشعوب من أجل إستقرارها و أمنها.
شخصيا – لست محبا ولست مدافعا عن الأنظمة
الساقطة ولكن أقول إن التغيير الذي حصل في فترات زمنية قصيرة جراء عمليات قيصرية بينما
الجنين غير مكتمل النمو بعد قد يؤدي إلى موت هذا الجنين. وعليه, فقد فشلت الثورات
العربية – في رأيي – في إحداث تغيير إيجابي لحياة المواطن, أي مواطن.
DR. KNOW
حكم سريع وتحليل غير شامل يبعد عنه الدقة
ردحذف