الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

البحرين على سطح صفيح ساخن

إنتهى فصل الربيع, ومر الصيف و لا يزال الربيع العربي ساخنا و يمتد للدخول إلى خريف عربي أسخن من ربيعه.  في هذا الربيع سقطت أنظمة بن علي تونس ومبارك مصر و قذافي ليبيا . و هذاصالح اليمن يداوي حروقه. أما بشار سوريا فمسألة سقوطه هي مسألة وقت ليس إلا . ومن المرجح أن يصل مد الخريف العربي إلى الجزائر التي تعيش فترة حمل قبل مخاضها.

وهناك البحرين .. هذه الدولة المتناهية في الصغر, الوادعة , المسالمة التي بدورها لم تسلم من الإضطرابات العاصفة منذ الرابع عشر من فبراير ولا تزال نيرانها مستعرة . والقلاقل ليست بالشيء الجديد على البحرين و لكن  لم يكن لها هذا التهديد المباشرعلى أمن البحرين و نظامها السياسي قبل حراك فبراير الذي أشعلت "المعارضة" فتيله و لم ينطفىء.

بداية, علينا أن نعرف إن للبحرين خصوصيات لا تتوفر في باقي دول الربيع العربي. فالبحرين  منقسمة من ناحية تركيبتها السكانية . ويعتمد مع من تتكلم فستسمع عدة تركيبات سكانية, فمنها الأغلبية الشيعية و الأقلية السنية الحاكمة , ومنها 70% شيعة يقابلها 30% سنة  و منها إدعاءات تجرح الحياء العام بالقول إن الشيعة 85% و منها ما ردده أحدهم بإن البحرين 98% شيعية . وهذا طبعا فيه تجني و إفتراء كبير على أهل السنة و الجماعة في البحرين. على أي حال , فلا توجد إحصائية رسمية من أي جهة كانت تثبت نسب التركيبة السكانية و لكن من المنطق و الشاهد إن البحرين منقسمة 50%-50% و ربما زادت لطرف على حساب أخر و لكن في حدود ضيقة.

أما الخاصية الثانية و على درجة عالية من الأهمية أن البحرين تتبع المنظومة الخليجية بخصوصيات دول الخليج العربي التي لا يوجود لها مثيل في العالم. إستقرار أمن دول الخليج هو بإستقرار أنظمتها القبلية القائمة . ليس من الوارد لأي من دول الخليج العربي أن يتم تغيير الوضع الحاكم في أي من دولها . و هذا أيضا ينعكس على الإستقرار الإقتصادي في العالم أجمع لما لهذه الدول الست من تأثير من ناحية الإستثمارات و الصادرات النفطية التي تغطي إحتياجات العالم. فأي بلبلة ستؤدي إلى نتائج وخيمة يسمع صداها شرقا و غربا.

أما الخاصية الثالثة فتتمثل بالأطماع الإيرانية في هذه الدولة الصغيرة و تعتبرها إحدى محافظاتها . من جميع دول الربيع العربي لن تجد دولة مهددة بوجودها من قبل دولة أخرى كما الحال بالبحرين. الإهتمام الإيراني بالبحرين ليس فقط لزيادة رقعة إيران الجغرافية المتناهية بالكبر مقارنة مع البحرين و إنما لها أسباب عديدة ليس المجال لذكرها جميعا و لكن تغطية 3 أسباب هنا سيوضح بجلاء ما نحن بصدده . أولا – سيعطي إيران حدودا بحرية كبيرة تحتوي على ثروات هائلة من الغاز و النفط ناهيك عن الثروة السمكية . ثانيا – سيكون الموقف الإيراني قويا من أجل التغلغل إلى قلب عاصمة الإسلام المتمثل بالعربية السعودية و منها السيطرة على شبه الجزيرة العربية و الأماكن المقدسة لدى المسلمين من مكة و المدينة. النظام الإيراني القائم على أسس ولاية الفقية في المذهب الشيعي يسعى لنشر هذا المذهب في الدول الإسلامية . و هذا ليس بسرا , فقد أعلنه الخميني منذ سقوط الشاه و منذ ذاك الحين و هم يحاولون بنشر المذهب  بكل الطرق . ثالثا – تحاول إيران ومن خلال هذه الدولة الصغيرة إنشاء دولة عظمى لتكون ندا للدول الغربية العظمى . و تعلم إيران إن يكون لها هذا فلا بد من أمرين السلاح – و هنا بأتي تركيزها على الحصول على السلاح النووي و ثم الرقعة الجغرافية الكبيرة بما فيها من ثروات تسيطر فيه على الإقتصاد العالمي.

وهنا لنا عودة إلى البحرين و الثورة البحرينية كما أسموها. وعلينا أن نسمى الأمور بسمياتها – الثورة الشيعية في البحرين هو الإسم الأمثل للوضع البحريني. هذه الثورة شطرت البحرين إلى شطرين – شطر مع الثورة و متمثل بالطائفة الشيعية و شطر ضد الثورة ومتمثل بالسنة . هذه هي الحقيقة من غير تأويل ولا تضخيم و لا الدخول في متاهات لمحاولات إصباغها بإنها ثورة شعبية. حاول الشيعة منذ يومها الأول الإدعاء بإنها ثورة شعب ضد حكم آل خليفة و لكنهم فشلوا في إقناع حتى أطفال السنة بذلك. ولذا على الشيعة أن أرادوا مصداقية و إن أرادوا أن يتم حل الأمور أن يقولوا – نعم إننا الشيعة و قد رأينا أن مصالحنا تتطلبت القيام بهذه الثورة و ننادي بحقوقنا الدستورية و المعيشية إلى أخره. و لكن الإنكار لن يفيدهم في شيء و لن يقنع أحدا بهذا . الأمر الأخر عليهم أن يتخلوا عن إدعائهم بسلمية حراكهم , فالبحرين كما قلنا صغيرة و لن تستطيع أن تخدع سنيا واحدا بسلمية الحراك لسبب بسيط إنك ستعجز أن تجد بيتا سنيا واحدا لم يتضرر من هذه الثورة.

محركات الثورة:

حسنا , فما هي محركات هذه الثورة الشيعية إذن ؟ المحرك الأول و الأكبر هو النظام الشيعي الإيراني. منذ سنين و النظام الإيراني ينمي المعارضة الشيعية في البحرين و يحتضنها بكل الوسائل. لم يعد سرا بعد أن كشفت وثائق ويكيليكس أن النظام الإيراني دعم المعارضة  البحرينية ماليا في لندن و مكنهم من التنقل بين عواصم دول الغرب بحثا عن التأييد . و لم تكتفى إيران بذلك و لكن وفروا للمعارضة الشيعية البحرينية إستراتيجية على أسس مدروسة بغية الحصول على تأييد الغرب لقضيتهم. طبعا للحصول على التأييد الغربي كان لا بد لإيران المكروهة من الحكومات و الشعوب الغربية أن تبقى خلف الستار و تحرك الدمى البحرينية المعارضة في ظلام مشبوة بأصابع و أياد ملوثة . و بقيت إيران متخفية إلى حين قيام الثورة الشيعية في فبراير و عندما فشلت هذه الثورة سارعت إيران إلى التخفي ثانية تاركة المعارضة الشيعية البحرينية عارية تماما لتتلقى الهزيمة تلو الهزيمة.
عموما , لم تبخل إيران على ثوارها الواعدين بتوفير الدعم اللوجيستي للمعارضين المهاجرين في الخارج , فالأموال التي دفعت لهم قاموا بشراء أفضل شركات العلاقات العامة في العالم و أفضل المستشارين. و جندت شركات الدعاية أفضل الصحافيين الذين يحظون بالمصداقية في الصحافة الغربية لنشر إدعائتها بالحق و المظلومية الواقعة على شيعة البحرين.

رأت المعارضة إن أفضل السبل لها للحصول على الدعم الغربي هي الإنضمام إلى المنظمات الحقوقية الغربية غير الحكومية و منها الحصول على مصداقية و دعم  التيار اليساري الغربي على الرغم من إنها حركة يمينية متطرفة.  و هنا كان لا بد أن تغير المعارضة الشيعية من نهجها, فالإحتجاجات العنيفة في منتصف التسعينات و ما تلاها من تفجيرات و عنف لم تؤتي أكلها و كان لابد من إنتهاج الخط السلمي اسوة بما حدث في تونس و مصر. ولكن المعارضة الشيعية المتربية على العنف لم تستطع الإلتزام بنهج السلمية و كانت هناك أحداث عنف كثيرة شابت ثورتهم منذ إندلاعها و لكنهم إستمروا على الإدعاء بسلمية حراكهم.

أما للحصول على الدعم العربي فلجأت إيران إلى تجنيد محطاتها الإعلامية في المنطقة للتشويش على الرأي العام العربي الذي تعاطف مع ثورات مصر و تونس و اليمن و ليبيا . وأصبح الكثير من المعارضة وجوه دائمة التنقل بين هذه المحطات بغرض بيان مظلوميتهم للشعوب العربية من ناحية و حض المعارضة في الداخل على مواصلة الثورة.

و تم تجييش أعداد كبيرة من الشباب المتحمس مسلحين بإجهزة حاسوب و حسابات بإسماء مستعارة على وسائل التواصل الإجتماعي من توتير و فيس بوك و غيرها . و هذه الجيوش كانت لها مهمات محددة , تنشر الأخبار سواء كانت صحيحة أم مفبركة طالما إنها تبقي النظام البحريني في موقف الدفاع و مترنحا . كما أسهم ثوار النت في رفع الروح المعنوية لدى ثوارهم على أرض المعركة ومحاولات  بث الإنهزامية في صفوف السنة.


هذه كانت بعض المحركات التي دفعت بإعداد كبيرة إلى الشوارع و إحتلت وسط العاصمة و شوارعها النافذة و مستشفى حكومي يعد الأكبر على مستوى الشرق الأوسط بالإضافة إلى شل الحياة التجارية و الصناعية .
ربما من الإنصاف أن نقول إن العاصفة البحرينية إستمدت بعض من طاقتها من عواصف  الربيع العربي في مصر و تونس و لربما إن المخطط لم يكن بكامل جهوزيته و لكن تم التعجيل به من أجل الإدراك بما تم تحقيقه في مصر و تونس.

مطالب الثورة:

قدمت الثورة البحرينية مطالب يعتبرها الغرب مشروعة و مقبولة في غياب كل المعطيات التي تؤهله بالحكم على مشروعيتها من عدمها. تتفدم هذه المطالب تنحية رئيس الوزراء – و البعض طالب بمحاكمته , حكومة منتخبة , و الإنتقال إلى ملكية دستورية على غرار بريطانيا بحيث يصبح الملك يملك و لا يحكم . أتت بعد هذان المطلبان الرئيسيان مطالب عديدة أخرى و لكن كلها في حكم تحصيل حاصل,  فإن حصلت على الحكم فعندها ستكون في موقع التنفيذي على كل مطالبك. فمطلب مثل إعادة توزيع الدوائر الإنتخابية هذا يتحقق عندما يستلم الثوار الحكم بجرة قلم . و عليه فلا داعي من الكلام في المطالب الأخرى إلا إذا سلمنا بإن الثورة قد فشلت و بإن النظام باق.

نادى الثوار بالإنتقال إلى الملكية الدستورية و ذلك حسب ما نص عليه الميثاق . و لكنهم أغفلوا أن الميثاق قد فسر الملكية الدستورية
بلغة عربية لا تقبل الجدال. المعارضة ركزت همها على المفردات و أهملت المعنى . الميثاق و من قبله الدستور حدد أن تعيين رئيس وزراء هو من إختصاصات الملك يعين من يشاء و لم يحصر ذلك في العائلة الحاكمة . كما أن له الحق في إعفاء رئيس الوزراء من منصبة. ولم يرد ذكر حكومة منتخبة لا في الدستور ولا في الميثاق الذي يتذرع به الثوار. وهنا أمران غاية في الأهمية.: السنة يرفضون رفضا تاما المساس برئيس الوزراء الذي و على إمتداد 40 سنة بنى البحرين و جعلها في مصاف الدول المتقدمة. أي مشروع تسوية يمس من بعيد أو قريب برئيس وزرائهم سيكون له عواقب وخيمة وكارثية , فهذا الأمر بالنسبة للسنة ليس محل نقاش وليس عرضة للتنازلات. الأمر الأخر – لن يقبل السنة بحكومة منتخبة على غرار حكومات الكويت و العراق و لبنان. تأليف حكومات في هذه الدول أشبه بالمهمه المستحيلة و تتدخل فيها قوى داخلية و أطراف إقليمية و دولية عديدة و تتغلب فيها مصالح هذه الدول والأطراف على مصالح الشعب. ويكفي هنا التذكير إنه و بعد حوالي سنة ونصف السنة على الإنتخابات العراقية لا يزال أكثر من نصف الوزارات بلا وزراء. كما أن تأليف حكومة لبنانية إستغرق حوالي 8 أشهر و ربما أكثر.

ويضاف إلى ما تقدم إن المعارضة الشيعية يكمن ولائها لمبدأ ولاية الفقيه و هو فكر إيراني شيعي صرف و يتدلى فيه الفقهاء على هرم يجلس على قمته مرشد الثورة الإيراني الأعلى خامنئي مما  يجعل من أي تسوية تشمل جعل شيعي في سدة الحكم أمر مرفوض رفضا تاما للسنة.

من ناحية البعد الإستيراتيجي فإن السعودية العربية ودول مجلس التعاون سترفض وجود رئيس وزراء شيعي يجلس بينها عندما يناقشون أمورا غاية في الحساسية و خاصة  فيما يتعلق بإيران. فكيف لو على سبيل المثال كان علي سلمان رئيسا للوزراء يجلس في إجتماع مغلق مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي يناقشون الخطر الإيراني على بلدانهم . و للعلم فإن علي سلمان هو رئيس المعارضة و شيخ دين و هو الذي طالب بالتدخل الإيراني عشية دخول قوات درع الجزيرة للبحرين. كيف يثق به القادة الخليجيون ؟ كيف لو أن النائب السابق في البرلمان البحريني جواد فيروز عين وزيرا للخارجية و كان في ذاك الإجتماع , و هو الذي عرف بنفسه لوفد إيراني و قال – خادمكم المطيع !! فكيف يجلس قادة الدول لينافشوا أمنهم من إيران بينما خادم إيران المطيع يجلس بينهم!
و عليه فإن المطلب بإن تكون الحكومة حكومة منتخبة غير مقبول بحرينيا ولا إقليميا و لا عربيا و لكن ما يهمنا هو ما يقبله السنة في البحرين و ثم البعد الإستيراتيجي الخليجي . و عليه فإن على الشيعة أن يدركوا أن هذا الأمر من المستحيلات .
و تبعية هذا الأمر أيضا – الملكية الدستوريه التى بموجبها يصبح الملك صوريا  فهذا أمر حتى مجرد سماعه فهو مرفوض من السنة ومن دول الخليج العربي.

إذن – أين نحن و إلى أين نتجه

البحرين في موقف دقيق جدا , نذر حرب أهلية تدق على الأبواب و سقوط ضحايا وارد جدا في ظل الجمود الحالي. الحكومة تمشي على حبل في سماكة الشعرة و كذلك المعارضة و على نفس الحبل و لكن في الإتجاه المقابل . إنزلاق اي منهما سيؤدي حتميا إلى سقوط الأخر و هذا نتائجة كارثية.
رفضت المعارضة كل دعوات التهدئه و الحوار منذ السابع عشر من فبراير و حتى الآن. في وقت ما , إعتقدت المعارضة إنها قاب قوسين من قلب نظام الحكم في البحرين. وهذا ماحدا أحد أقطابهم للحضور من لندن على وجه السرعة مع توقف يومين في بيروت عاصمة حزب الله للتخطيط مع هذا الحزب لإستلام مفاتيح البحرين . و أعلن حسن مشيمع بعيد وصوله البحرين مملكة البحرين جمهورية إسلامية على غرار مثله الأعلى إيران . و من المضحك إنه قام بتأليف وزارة و وزع المناصب محتفظا لنفسه برئاسة الجمهورية.  وهو الآن يقبع في السجن لا يملك لنفسه حولا ولا قوة.

مشكلة المعارضة في تجاهلها للمكون الرئيس للشعب – السنة . و إعتبارها إن المشكلة بينها و بين الحكومة فقط أثار ولا يزال يثير حفيظة أهل السنة. تفاجاءت المعارضة بردة الفعل السنية و جعلها تتخبط , فتارة تدعوا السنة باتهم موالين و طبالين و مرتزقة و بلطجية إلى أخره من ألفاظ أغضبت السنة و أخرجتهم إلى الشوارع إثباتا لوجودهم و دفاعا عن حكومتهم. و رأينا تارة أخرى عندما فكر رئيس المعارضة علي سلمان بالذهاب إلى أحد معاقل السنة من أجل أن يلقي فيهم خطبة و ناداهم "أحبتي" . هذه الفكرة إرتدت في وجهه بإعنف من الألفاظ البذيئة التي نعت بها أهل السنة. فما كان له إلا أن يلغي هذه الفكرة من راسه.

أي حل لا يوافق عليه السنة سيأتي بنتائج عكسية سواء على المعارضة أو على الحكومة. هذان – المعارضة و الحكومة في موقفين لا يحسدان عليه في ظل الترقب السني لما قد تؤول إليه الأمور. الحكومة تدرك تماما إنها تستمد قوتها بل و شرعيتها من المكون السني و ستحسب له ألف حساب إن أزف الوقت الذي تحاول فيه الحكومة تسويق أي إتفاق مع المعارضة. أما المعارضة فهي التي رفعت من سقف مطالبها عاليا و ربما فقدت كامل السيطرة على شارعها و عليها أن تقدم إتفاقا يضمن مطالبها كاملة . و هذا الأمر لن يتم .

الحكومة و بعد سنين طويلة من تجاهل السنة بإعتبار أن تأييدهم للنظام مضمون و عليه فأشغلت الحكومة نفسها في محاولات فاشلة لتحييد المعارضة. فإعتقدت خطأ أن تنصيب المعارضين في مواقع قيادية و سلمتهم وزارات سيكون كفيلا بالحصول على ولائهم و لكن الأيام أثبتت خطأ هذه الإستيراتيجية . كما و قامت الحكومة بتوزيع الهبات و الأراضي على قادة المعارضة ولكن هذه الهبات سرعان ما ذهبت هباء منثورا. و ولكن الكرم الحكومي أهل قادة المعارضة لدخول نادي أصحاب الملايين و لم يشتري للحكومة ولاء. هذا أسخط السنة الذين عليهم الإنتظار سنوات طويلة للحصول على مسكن متواضع مدعوم بمساعدات حكومية.

أحداث فبراير أجلت بما لا يدعو للشك أن الحكومة قد أغبنت السنة و أدركت الحكومة إنها بتهميش الدور السني في الحياة السياسية قد إرتكبت أخطاء وجاءت الأحداث لتعيد للسنة وضعهم الطبيعي .
المعارضة بدورها تيقنت أن السنة قوة موجودة على الساحة لا يمكن تجاهلها و يجب التعامل معها. هذا اليقين قد جاء للمعارضة متأخرا و قصيرا. بإختصار , تبين للحكومة و المعارضة إن مفاتيح أي حل هو في يد السنة .
أما السنة الذين بيدهم العصى السحرية و يعلمون ماذا لا يريدون ولكنهم لا يعلمون ماذا يريدون. بعدهم عن المشاركة السياسية لسنوات عديدة لم تساعدهم على بلورة برنامج سياسي محدد بمطالب محددة. جل المطالب السنية هي مطالب معيشية صرفة و حتى يكاد هناك مطلب لكل شخص يختلف عن الأخر. هذا إن دل على شيء فهو يدل على إنعدام النضج السياسي لدى سنة البحرين الذين زجوا في المبارة في وقتها الإضافي,
كان الهم الأكبر للسنة غياب قيادة سنية واعية , و أعتقدوا إنهم وجدوا ضالتهم بشخص الشيخ عبداللطيف المحمود, ذلك الشيخ الجليل. ولكن الشيخ هو شخصية إنتقالية غير قادرة على الإستمرارية. و هنا برزت الخلافات السنية-السنية على الزعامة و أحدث إنشقاقات داخل الأسرة الواحدة و ربما بمباركة حكومية التي تريد دعما سنيا لها و لكنها لا تريد أن ترى قوة سنية منظمة شبية بتلك الشيعية.

المشكلة البحرينية الكبيرة تتمثل في غياب ملحوظ لقيادات من التيارات المعتدلة و العلمانية. ولذا نرى أن القيادات سواء شيعية كانت أم سنية هي قيادات دينية التي تتحدث إلى التابعين و كأنها أتت بتوكيل إلهي و كلمتها غبر قابلة للنقاش و قراراتها حكيمة. و هذا مكمن الخطر.

الحلول ...

ليس بالشيء اليسير ... بإخنصار شديد – أحلاهم مر.

البحرين – حكومة و معارضة,  دخلت في نفق مظلم هذا ما لاشك فيه , بينما يقف السنة حاملين شمعة في نهاية هذا النفق الطويل تبث نورا خافتا . والتخبط في جدران النفق لا يساعد أحد على المرور بسلام. أضاعت المعارضة فرصا ذهبية للحصول على مكاسب لم تكن لتحلم بها و لكن عاملا الطمع و قصر النظر السياسي تمكنا من قادتها. و فوتت الفرص. أما الحكومة فقدمت التنازلات –كما يراه السنة- تنازلا تلو أخر حتى لم يعد لديها ما تقدمه و حتى هذه التنازلات  لم ترضي المعارضة. و إلى الآن لم تقدم الحكومة على إستخدام الأساليب القمعية الفعلية لإنهاء الوضع الحالي و العودة بالبلاد إلى حالة الإستقرار.لربما أخذت الحكومة العبر من دروس من درعا و صنعاء ولم ترد أن تكرر أخطاء الغير. و ربما نتاج الضغط الدولي على الحكومة جعلها تحسب ألف حساب للقيام بإعمال عسكرية.

 تدور شائعات أن الملك لربما مستعد للتضحية برئيس وزرائه كأخر ورقة تنازلية و ذلك حسب ما تم من تسريبات من مبادرة قطرية. و لكن إن صحت الشائعات فستكون مهمة تنازلية  محفوفة بمخاطر جمة. المضحك – المبكي يقال أن المعارضة رفضت تنحية رئيس الوزراء ما لم يكن مقرونا بتلبية جميع مطالبها. وهذا ينم عن مراهقة سياسية تفتقر إلى النظرة بعيدة المدى و تضع المصلحة العليا للبلاد, إن كان ذلك هو فعلا مسعاهم.

من الواضح إنه لا يوجد حل سياسي بلوح بالأفق مما يحعل الحل الأمني هو أقرب إلى الواقع من اي حل أخر. و لكن متى ؟
الحكومة ربما ستنتظر الإنتهاء من حدثين مهمين – الإنتخابات التكميلية و تقرير بسيوني. الأول ينتهي في الرابع و العشرين من سبتمبر أما الثاني فيتبعه بنهاية الشهر الذي يليه. المعارضة مقاطعة للإنتخابات و أمرت تابعيها بعدم الترشح و الإبتعاد عن صناديق الإقتراع , نجاح الإنتخابات سيسرع من وتيرة التوتر و يزيد من غضب المعارضة المترنحة التي لم يعد لديها ما تخسره و ربما تلجأ إلى عنف الشارع. أما الحكومة فنجاح الإنتخابات سيعطيها قوة جديدة لكسب الرأي العام العالمي.  أما تقرير لجنة تقصي الحقائق فسينتج عنه ما يلقي باللائمة على الطرفين مناصفة. و هذا ما حدا بملك البحرين بالظهور على شاشة التلفاز في خطوة إستباقية  مقرا بإن إنتهاكات قد حدثت لبعض الموقوفين و بإن الحكومة ستعوض المتضررين.  هذه الإستباقية أخذت من تقرير بسيوني أي عنصر تمكن المعارضة من إستخدامه ضد الحكومة و الحكومة سيكون لديها كل العناصر لتستخدمها ضد المعارضة التي لازالت تصر على سلميتها. ما لا شك فيه إن محاولات إستمالة المعارضة لطاولة الحوار قد إنتهت و سياسة الجزرة قد إستنفذت و الآن إلى الخطة ب و سياسة العصى.
هذه هي الثوابت – أما المتغيرات على الأرض فهي التي ستتحكم في مصير التدخل الأمني. الحكومة تسعى إلى الإطالة بحالة الجمود هذه حتى يكون تدخلها الأمني حسب جدولها الزمني و حسب رغباتها, أما المعارضة فإنها تسعى جاهدة إلى جر الحكومة إلى مواجهات يومية تسعى من خلالها الحصول على "شهداء" لترقص في جنازاتهم .
مستقبل البحرين يعتمد على خطأ أحمق واحد , لو قامت المعارضة أو ممن يحسب عليها بالتعدي على مواطن سني أو مواطنة فهنا ستكون كارثة وخيمة , وفي ظل التجييش السني لن ينتظر السنة التحرك الحكومي و ستكون هذه شرارة المواجهات الأهلية. و حتى لا نظلم المعارضة , فإن أحمقا من السنة ممكن أن يكون البادىء بالفعل أو من الممكن جدا أن يكون حادثا عرضيا. لن تشفع الأعذار و لا التبريرات. القلوب حبلى بالغضب و هذا أفدح الأخطاء.
كان ممكن جدا أن تتطور أحداث "السيتي سنتر" لتكون تلك الشرارة و لكن ولله الحمد عدت هذه المرة بسلام.

هل الحل الأمني هو ما سيضمن للبحرين إستقرارها؟

الجواب ببساطة – لا. ولكن الحكومة بحاجة ماسة إلى رد إعتبارها من المعارضة و ستتخذ من القوة العسكرية ذريعة لتأديب المعارضة التي تمادت في إهانتها للسلطة ليس فقط داخليا و إنما خارجيا أيضا.
الحل الأمني قد يدفع إيران إلى مغامرة عسكرية لمساعدة أبناء مذهبها لتحقيق أهدافها. و طبعا ستجد أطراف عدة فرصة لها للدخول لفرض كلمتها و مصالحها.
إذن , فالموضوع شائك و مفتوح على كل الإحتمالات و لا بد من تحكيم العقل من أجل مصلحة البحرين العليا. و يجب أن يتم ذلك قبل فوات الآوان.

إذا أردنا تحكيم المنطق السلمي فسيكون هناك تضحيات كبيرة يقدمها طرفا النزاع بموافقة صمام الأمان المتمثل بالسنة و أستعرض بعض هذه الحلول التي قد تكون مفتاحا لعودة الإستقرار:

1)    حل جمعية الوفاق المعارضة لنفسها و لجوء قادتها إلى التقاعد الإختياري.
2)    إعطاء الفرصة لوجوه جديدة ليحلوا مكان الوجوه القديمة.
3)    إنشاء جمعية جديدة معارضة لا تكون فيها مقيدة بتوجيه ديني.
4)    حل مجلس النواب و الدعوة إلى إنتخابات جديدة لتكون المعارضة ممثلة فيه.
5)    إعادة تخطيط للدوائر الإنتخابية .
6)    إعطاء صلاحيات أوسع لمجلس النواب.
7)    المشاركة الشعبية الفعالة في الحكم.
8)    المحاربة الجدية للفساد.
9)    كشف ملفات التجنيس .
10)                  العمل على بناء المجتمع البحريني و توفير الحياة الكريمة لكل مواطن.
11)                  تطبيق القوانين بعدالة و على الجميع.
12)                  الكشف عن كامل حقائق أحداث فبراير و الأشهر التي تلتها.
13)     إسقاط الحق العام عن جميع المتهمين مع إبقاء الحق الخاص لكل المتضررين و المجني عليهم.
14)                  تقديم برامج تعيد بناء جسور الثقة و الألفة بين أفراد المجتمع البحريني.
15)     تفعيل مرئيات الحوار الوطني مع إنشاء لجنة تعديل و إضافة للمرئيات بمشاركة من المعارضة.

هذه المقترحات التي قد تقابل بالرفض التام من أقطاب المعارضة و من كوادرها و ربما أيضا من الحكومة وحتى من صمام الأمان  ولكنها هي ما سينقذ البحرين من سطح صفيح ساخن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق