اليوم أعلن كفري
نعم أعلن كفري .. ولست خجولا .. كنت مؤمنا
.. ومتشددا.. ولكني وجدت إن كل ما أمنت به لا يستحق الإيمان .. وجدته أساطير ..
مجرد أساطير .. أساطير الآولين ..الآخرين .. الحاضرين .. لا يهم .. فقط أساطير ..
كما كان إيماني عميقا .. فإن كفري أعمق .. حكمت عقلي .. وتبصرت .. فرفضت على ما
أنا عليه ..
نعم أعلن كفري بالديموقراطية المزعومة ..
تلك الديموقراطية التي وعدنا بها الغرب .. وصوروها كجنة يوتوبيا .. قالوا لا داعي
لإن تموت لتصل إليها .. بل يجب أن تكون حيا لتنعم بها .. وقالوا سنأتي بها إليك ..
وأرسلوا جحافلا وجيوشا إلى العراق .. وقالوا ستنعموا بالديموقراطية .. وتتلذذوا
بها .. أما أعداء الديموقراطية فإننا سنقتلهم .. فهم يقفون بينكم وبين يوتوبيا ..
ومرت السنة تلو الآخرى .. ولا زالت الدماء تنزف من الآلاف .. دماء الذين هم أنفسهم
كانوا ينتظرون اليوتوبيا .. ولكنهم ماتوا ولم يدخلوها ..
أعلن كفري بكل ديموقراطية تأتينا معلقة على
فوهة مدفع دبابة .. وعلى رأس كل صاروخ عابر للمحيطات وأراضي دول العرب متجهة إلى
دولة عربية آخرى.. سواء رضينا أم لم نرضى.. كفرت بكل ديموقراطية تأتي مخضبة
بالدماء .. ثم لا تأتي .. ولن تأتي ..
كفرت بالربيع العربي .. وكفرت بكل فصول
العرب .. ثلاث سنوات لم تأتي إلا بالخراب والدمار والفوضى وغياب الأمن ... ربما
سنحتاج إلى جيل أو إثنين لإصلاح الضرر .. الإقتصادات تدمرت .. الشعوب إنقسمت .. بل
العائلة .. الأب مع والأم ضد والأولاد في حيص بيص .. أي ربيع هذا ..!!؟؟ وعدونا
إننا أخيرا سنعرف طعم الحياة والحرية .. حالما نتخلص من الطغاه .. ثلاث سنوات مرت
.. والربيع الموعود أعادنا إلى الوراء 61 خريفا ..
الكثير من كبار السن سيقولون ..كنا أحسن
حالا قبل الثورات .. لا ... لا يقصدون ثورات الربيع .. بل ثورة 52 .. وثورة الفاتح
.. واليمن .. وقبل كل إنقلابات سوريا وكل إنقلابات العراق .. وتونس .. الله أعلم
بتونس ..ربما هم مثلي كفروا .. بكل أنظمة العسكر .. وعدوهم بالمشاركة في الثروات
والإعتزاز بقوميتنا .. وعدوهم بالعدالة الإجتماعية .. ونكثوا عهودهم .. وأعطوهم دول مخابراتية ... وسجون قمعية .. ومشانق ..
وزوار الفجر .. وزادوهم فقرا على فقرهم ..
أعلن الكفر بكل حاكم عربي أمنت به وصدقته
.. كفرت بعبدالناصر بعد هزيمة 67 .. وكفرت بالمظاهرات التي خرجت لتقنعه بالعودة عن
التنحي .. وكفرت بكل مؤتمرات القمة .. وأولها مؤتمر اللاءات الثلاث .. كفرت بالقذافي
وجنونه .. وصدام وكبريائه .. وعرفات وصفقاته .. والسادات وأنانيته .. وبورقيبه وشطحاته
.. ومبارك وتجارته ..والنميري وخيانته .. والأسد ومجازره .. وغيرهم .. بعضهم جاءت
بهم الأقدار وبعضهم الصدف .. لم يقدروا حجم المسؤولية ولم يكونوا أهلا لها .. كفرت
بهم جميعا ..
كفرت بالإعلام .. الأرضي والفضائي والمسموع
والمطبوع والإلكتروني .. بكل أنواعه ... كفرت (بالعربية) وتطبيلها .. وبشعارها ..
الأقرب للحقيقة .. ليست الحقيقة ولكن قربنا إليها بما يكفي ... وكفرت ببناتها
ولبسهن المخصر الضيق الذي يظهر تفاصيل الصدر والمؤخرة .. اللذان هم سببان من تأخر
العرب .. وكفرت بهما أيضا ..كفرت بالجزيرة التي لا أعلم أحيانا هي مع من .. في
سنوات قليلة أصبحت أكبر محطة إخبارية في العالم .. كيف .. ومتى ..لا أعلم .. ثم يأتي
أقزام الإعلام ويتطاولون عليها ... ليتهم أنجزوا جزء مما فعلت .. ولكني على أي حال
كفرت بها ..
كفرت بالإعلام المصري.. أصبح غير مهتما
بالحقيقة .. ولكن إنصافا للحق .. آخر مرة كان الإعلام المصري يبحث عن الحقيقة كان
الملك فاروق في الحكم .. ثم الإنقلاب .. ومنها بدأ التطبيل والتمجيد والتهويل ..
أما الآن وفي زمن الربيع .. فزاد عليه قلة أدب وردح وكذب عيني عينك ولا ننسى
النفاق .. أصبح من يشتم أكثر ويسخر أكثر يحصل على ملايين أكثر .. من مرضعة إبليس
.. إلى راقص سابق .. إلى محترف دعارة .. كلهم أصبحوا إعلاميين يحدثوننا كل يوم عن
الشرف .. إعلام ساقط ..
وبمناسبة الإعلام .. فإني أشهدكم إني قد
كفرت بتلفزيون البحرين ... حقيقة لا أدري لماذا أقحمته مع الإعلام .. فهذا
الجهاز لا يمت للإعلام بصلة .. أول تلفزيون ملون في العالم العربي .. أو يمكن
الثاني .. الآن يبعد سنوات ضوئية عن باقي تلفزيونات العالم .. الحقيقة هو في
منافسة قوية على المركز الأخير مع التلفزيون الرسمي المصري والسوري.. حظا سعيد
للبي تي في ..
كفرت بالشعوب العربية ..وخاصة تلك التي
حصلت على فرصتها في أن تعيش الديموقراطية .. فقررت إما أن تعود للفوضى .. أو تقول
للجنرالات فوضناكم فعودوا فاحكمونا .. لقد جربنا العيش من غيركم .. ولكن كنتم
محقين ..لا نستطيع العيش بدونكم .. عودوا وتسلطوا علينا .. أعيدوا الزمن الجميل ..
وحدثونا عن الديموقراطية التي سوف تمنحوها لنا .. وتكلموا لنا عن الإستعمار
والإمبريالية فهذا يطربنا .. كفرت بكم أيتها الشعوب ..
شعوب تدعي الإسلام .. ثم يقبلون أن يولى
عليهم من لا يعتقد بوجود مكان للإسلام في الحكم .. ما المانع من أن تتزوج المسلمة
من المسيحي وكل يبقى على دينه ..!!؟؟ بل في أي من كتب اليبرالية تنص على أن
الإسلام هو دين الدولة ..!!؟ بل يعتقد أن بعض ما جاء بالقرآن ليس صحيحا .. فالمسيح
عيسى كان إبن مريم ويوسف النجار .. ولنمحو سورتي مريم وآل عمران من القرآن ..
وبالمناسبة .. دعونا ننظر إن كان هناك سور أو آيات لا يتفبلها العقل أو إخوتنا
اليهود والنصارى فنحذفها .. آيات الجهاد لا تعجب الأمريكان .. إعملوا لها
(ديليت)..!! عندما تتقبل ذلك الشعوب ومؤسساتها الدينية الإسلامية .. فإعلموا إنني
قد كفرت يها ..
كفرت بكل مشايخ الدين .. لا حاجة لي بهم ..
تبين لي إن القرضاوي في سن 86 متهم بالتخابر مع دولة أجنبية .. هي قطر التي يحمل
أيضا جنسيتها منذ سنين طويلة .. الظاهر لا يوجد سن تقاعد للعملاء السريين .. كفرت به عندما قرأت إنه جاهل وعلى ضلال ومن أهل
النار .. وكفرت بالسديس لإنه كما قالوا من مشايخ السلاطين والبلاط .. كفرت بالشيخ
كشك رحمه الله .. الذي أفنى حياته بين المطالبة بالحق والعدل وتطبيق شرع الله وبين
السياحة في غياهب السجون المظلمة .. ما كان نورها وظلمتها يهمه .. فقد كان رحمه
الله أعمى .. ولكني كفرت به حين قال عنه الألباني رحمه الله إنه مهرج ولا يعرف كيف
يصلي .. وقال كذلك عن الشعراوي رحمه الله فكفرت به أيضا وبتفسيراته .. كفرت بشيوخ
الأزهر ... وما أدراك ما الأزهر .. يحرمون الخروج على ولي أمر ويحللونه على ولي آخر ..
وبالإستناد إلى نفس الأحاديث النبوية الشريفة .. تناقض .. لا يعجبني .. كفرت بهم
..
لا أريد مفتي الديار ليعلمني أن الشيعة
مسلمين .. وإنهم أخوة لنا .. لا أريد ذلك.. لا أريد شيخا يقول أن الوهابية على
ضلال ولا أصل لهم في الدين .. ولا أريد شيخا يقول أن الإخوان المسلمين هم الفئة ال
73 وهم في النار .. كيف علم ذلك ..!؟ كفرت بكل من يقول ذلك ..
لا أحتاج لواعظ متعصب لرأيه .. ولكنه
يتنازل عن عصبيته لإرضاء الحاكم أو من هو أدنى .. ويبرز شراسته إن وجد فتوى من شيخ
آخر لا تناسب ما تربى عليه .. وتعميه عصبيته عن الإستماع والنقاش .. هو أعلى مقاما
من أن يكون رأيه خطئا يحتمل الصواب ورأي الآخر صواب يحتمل الخطأ.. لا حاجة لي بهم
.. أريد شيخا فقط لإتمام صلاة الجماعة .. لا شيء آخر .. يكفيني الآئمة الأربعة وكتبهم
.. وقوقل ..
كفرت بالليبرالية .. كانت إلهامي وإيماني
الوسطي .. رضعت من ثديها حتى الكبر .. واليوم أعلن إني إرتددت عنها .. لإني وجدتها
تتلون كالحرباء .. من أجل المصالح .. والحكم .. وجدت إن اليبرالية مستعدة لغض
الطرف .. عن الحق والعدالة .. وجدتها تبارك قتل أناس فقط لإنهم لا يدينون بها ..
أعجب ما بها عندما تلتقي المصالح الليبرالية مع مصالح مشايخ الدين .. فيضعون
أياديهم في أيد بعض .. ولو تأملت النظر جليا لرأيت الأصبع الوسطى ممدودا من
الطرفين في يد الآخر .. زواج منفعة .. أو متعة .. ثم كل يعود لحال سبيله ..
دوما وأبدا .. نادى اليبراليون بتطبيق شرع
الديموقراطية الغربية .. وطالبوا بحكم الأغلبية الناتج عن الصندوق .. وليرضى
الجميع .. ولكنهم لم يقولوا إنه يقبلونه طالما إنهم هم الفائزون ... ولكن كيف
تتجرأ الشعوب وتختار غيرهم ..!!؟ هذا لا يجوز شرعا .. لا مانع أن ننشر الفوضى
والمسيرات والمظاهرات والإعتصامات والإضرابات فهذا حلال لنا حرام على غيرنا ...!
الليبرالية أباحت لنفسها الوصول إلى سدات
الحكم .. وحرمته على غيرها .. قالوا الإخوان المسلمون يستخدمون الدين للوصول إلى
الحكم .. ونسوا إن كل حزب سياسي يحاول الوصول إلى الحكم .. وبطريقته الخاصة
ومنهجيته .. الليبراليون يريدون الوصول إلى الحكم بالعلمانية والتقدمية ..
والشيوعيون ..والإشتراكيون .. وأهل اليمين .. وأهل اليسار .. والشيعة .. والهندوس
.. والحزب الديموقراطي المسيحي .. كلهم .. كلهم ..بلا إستثناء .. فلماذا كلا
للإخوان ..!!؟ هي الكعكة بيد اليتم عجبة !!؟؟
كفرت بالإخوان .. لم أكن أؤمن بهم على أية
حال لأكفر بهم .. أكثر من 80 عاما وهم في (نضال) تحت الأرض ولما جائتهم فرصتهم فوق
الأرض لم يقدروا عليها .. ربما ليس للثوريين والمعارضين القدرة على الحكم ... تبين
لي أنه أسهل لك أن تكون في المعارضة من أن تكون في الحكم..
كفرت أيضا بالكلمات .. كلمة (نعم) ما عادت
تعني الموافقة .. وما عاد الرفض كلمة (لا) .. وجدت أن الكثير ممن يقول نعم هم في
الواقع يقصدون لا .. أو العكس .. وكذلك بالخير والشر.. ما عدنا نعلم من يأتي
بالخيرومن يذهب بالشر .. تساوى الخير بالشر ..
كفرت بالأرقام .. مجموعة من 10 أشخاص قد
يصبحون بقدرة قادر حشود من مئات .. والمئات تصبح ألاف مؤلفة .. والمائة ألف قد
تصبح 4 مليون ... والمليون قد يصبح 33 مليون .. لم تعد للأرقام أهمية .. مجرد
أرقام .. وأصفار .. إخترعها عربي لتستعملها بعده الأجيال .. أصبحت الأصفار لها
قيمة على الفضائيات .. إلا العربي .. فهو لا يزال صفر على شمال النظام ..
كفرت بالإحاسيس كلها .. الحب هو مجرد شعور
بالحاجة لشخص ما في حالة مؤقتة .. تنتهي بزوال الحاجة .. فلماذا نحب ..!!؟؟ كلنا يعلم أن الحب لا يدوم إلى الأبد .. ولكننا
نقولها لكل شخص يدخل حياتنا .. ونصدقها .. إلى أن ينتهي الحب .. الآن كفرت بها .. وكفرت بما هو أكبر .. كفرت بالضمير الذي إستتر ولم يعد له وجود ..
كفري إمتد عبر المحيطات .. فكفرت بأوباما
.. تبين لي أن النفاق لا عرق له ولا دين .. وكفرت بالأمم المتحدة وجمعيتها ومجلس
أمنها و أمينها العام .. هو في قلق دائم ..وهذا يوترني .. كفرت بالجامعة العربية
من أيام عبدالرحمن عزام .. لا تعرف إلا الشجب والندب .. تنزل المصائب على بلاد
العرب وهي ثابتة على موقفها الشجبي .. كفرت بالناتو وحلف وارسو .. حتى وإن مات ..
سأتوقف الآن .. فالعرب كفروا بالقراءة .. وربما حان
دوركم لتكفروا بي ..
هذا ما كفرت به .. أما إيماني فهو كما كان
دائما .. أؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله .. هذا ليس موضع شك عندي .. أسئل الله
العلي القدير أن يثبتني على دينه ويميتني عليه ... اللهم حسن الخاتمة ..
أؤمن بأولادي .. وعائلتي وأصدقائي .. وأؤمن
بك أنت.. نعم أنت .. وأنتي .. وأؤمن بتلك البنت السورية ذات العشرة سنوات .. لا أعرف إسمها .. ولكن لن أنساها.. أفاقت من تأثير الكيماوي
في الغوطة بعد تلقيها العلاج ووجدت نفسها عارية .. فصرخت لإنها عارية وليس من هول
المصيبة والأموات حولها .. فطرتها جعلتها تدرك أن عريها مصيبة أكبر من الموت بالغازات
السامة .. وحاولت أن تستر نفسها وتغطي بيدها الرقيقة المرتعشة على وجهها .. وبالآخرى على صدرها الذي لم
بنبت بعد .. وتصرخ متوسلة بغريب يسعفها ... عمو الله يخليك غطيني عمو غطيني .. نعم
.. نعم .. أؤمن بها ..
DR. KNOW